فأعْتَزِلْ تِلكِ الفِرَقَ كُلّها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
فهذا أبو العباس حرمين بن سليم اللمبوري
الأندونيسي رحمه الله القائم بالرد على الفرق المبتدعة والناصر لمذهب أهل السنة
والجماعة، فإنه نذير مبين في زمانه، فلما عرف رحمه الله أني قد وصلت إلى جزيرة
جاوى بمدينة سورابايا، فحذرني رحمه الله وقال: "هناك الفرق المبتدعة، وإياك وكل
فرقة، فأعتَزِل تِلكِ الفِرَقَ كُلها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "وستفترق
هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: وما هم يا رسول الله؟
قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي". ثم قال رحمه الله: "فانظر إلى
أهل السنة فخذ علمهم".
صدق رحمه الله، وقد وجدتُ في مدينة سورابايا
الفرق المبتدعة، ومنها:
الأولى: الجماعة.
الثانية: الوحدة الإسلامية.
الثالثة: جماعة التبليغ.
الرابعة: الإخوان المسلمين.
الخامسة: حزب التحرير.
السادسة: نهضة العلماء.
السابعة: دين الأحمدية.
الثامنة: دين الشيعة.
التاسعة: المحمدية.
العاشرة: إسلام الجماعة.
الحادية عشرة: الإرشاد، فلما وصلت إلى سورابايا، جاء صديقي إلي وطلبني
أن أذهب معه إلى مسجد الإرشاد، وذهبت معه، وجلسنا في مجلس العلم بالمسجد، وكان
المدرسُ طالبَ العلم من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فلما أخبرتُ أبا
العباس رحمه الله أني قد وجدتُ مجالس العلم بسورابايا، وقال رحمه الله: "لا
تذهب إلى هناك وهناك، فإنهم ليسوا من أهل السنة، انظر إلى الدعاة من طلاب دار
الحديث يعني من طلاب شيخنا الناصح الأمين يحيى الحجوري فإنهم أهل السنة.
وفي هذا البحث إن شاء الله سنتكلم في فرقة
الإرشاد ونبيّن أنهم ليسوا من أهل السنة.
فرقة الإرشاد
مؤسس هذه الفرقة هو أحمد محمد السوركتي.
ولد أحمد محمد السوركتي في جزيرة أرقو بالولاية
الشمالية في السودان عام 1876م.
ودرس مبادئ
الفقه على والده، ثم تيمم شطر الحجاز عام 1897م هجرة في سبيل العلم، ورغبة في أداء
فريضة الحج، وبعد أداء الفريضة أقام في المدينة النبوية أربع سنوات ونصف، خلالها
درس بعض العلوم الشريعة واللغة العربية، وجاور في مكة المكرمة لمدة عشر سنوات.
وصل السوركتي إلى مدينة بتافيا (جاكرتا)
وبصحبة محمد الطيب المغربي ومحمد عبد الحميد السوداني في شهر ربيع الأول عام 1329ﻫ
(مارس
1911م)، ثم نزل
ثلاثتهم ضيوفاً على السادة العلويين الذين رحبوا بمقدمهم، باعتبارهم أول هيئة
علماء تصل من الأراضي المقدسة للعمل في مدارس جمعية خير. وفور وصولهم عُيِّن
السوركتي مديراً لمدرسة باكوجان ومفتشاً للتعليم، ومحمد الطيب معلماً بمدرسة
كروكت، ومحمد عبد الحميد بمدرسة بوقور. وبنزولهم على السادة العلويين دليل صريح على
أن دعوتهم بلا تميز أهل الحق من أهل الباطل، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ
بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ
إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].
ويقول تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ
فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا
يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
[الأنعام: 68].
قال أبو محمد البربَهاري رحمه الله: "وإذا
ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر".
["شرح السنة" (1/54)].
وقال رحمه الله: "وإذا رأيت الرجل عابدا
مجتهدا متقشفا محترفا بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمشي معه
في طريق فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه". ["شرح السنة" (1/54)].
وبتلك المخالطة وجدنا أن السادة العلويين يغمسون
السوركتي في ضلالتهم، ويلبسون عليه بِما كان يعرف عن إمام النجد شيخ الإسلام محمد
بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله، حتى قال السوركتي عنه: "أنا ما أعرفه، وأنا
براء منه، وأنا لست منه"، أو كما قال، صدق رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
في قوله: «وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ
مِنْهُ شَىْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ
الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ».
وقال السودانيون: "وظهر في الأفق اسم
السودان، حيث تعاقد السوركتي مع أحمد العاقب شكرت الله، ومحمد نور بن محمد خير
الأنصاري، وساتي محمد السوركتي، وحسن حامد الأنصاري للعمل في مدارس جمعية خير في
إندونيسيا. وصل هؤلاء الأربعة إلى بتافيا عام 1913م ويقال إنهم جميعاً كانوا من
أنصار تعاليم محمد عبده الذي درس بعضهم على يديه في الأزهر الشريف، وألم بعضهم
الآخر بأدبياته العلمية المنشورة".
وإذا نظرنا إلى قولهم (كانوا من أنصار تعاليم محمد عبده) نعرف أنهم ليسوا من أهل
السنة، بل هم من أهل البدعة، نأخذ مثالا في بيان أحوالهم، قال الشيخ التويجري رحمه الله: "وسلك محمد عبده ومن
وافقه مسلكا في قيام الساعة، فزعم أن قيامها يكون بتصادم كوكبين في حال سيرهما. قال
في تفسيره لسورة الانشقاق: "وانشقاق السماء مثل انفطارها، وهو فساد تركيبها واختلال
نظامها عندما يريد الله خراب هذا العالم الذي نحن فيه، وهو يكون بحادثة من الحوادث
التي قد ينجر إليها سير العالم؛ كأن يمر كوكب في سيره بالقرب من آخر فيتجاذبا فيتصادما،
فيضطرب نظام الشمس بأسره، ويحدث من ذلك غمام، وأي غمام، يظهر في مواضع متفرقة من الجو
والفضاء الواسع، فتكون السماء قد تشققت بالغمام واختل نظامها حال ظهوره" انتهى
كلامه.
والجواب أن يقال: هذا من القول
في كتاب الله بغير علم، ومن تفسير القرآن بالرأي الفاسد.
وقد قال الشيخ محمد بن يوسف
الكافي التونسي في كتابه "المسائل الكافية في بيان وجوب صدق خبر رب البرية"
في الرد على محمد عبده: "واستفدنا من كلامه أن هلاك هذا الكون وانفطار السماء
وانشقاقها وظهور الغمام يكون بتصادم كوكبين في حال سيرهما وغير ذلك من المعاني المخترعة
التي لم يسبق إليها أحد من المسلمين غيره؛ فهو لا يؤمن بما آمن به المؤمنون من أن اختلال
العالم وهلاكه يكون بنفخ إسرافيل في الصور الذي أخبر الله به في كتابه العزيز وأخبر
به أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح الأحاديث واجتمعت الأمة على ذلك؛ فهو
من المعلوم من الدين بالضرورة؛ فمنكره يكفر". انتهى". ["إتحاف الجماعة
بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" (3/273)].
ولهذا قال الإمام الوادعي
رحمه الله: "فالذي أقول: إن محمد عبده ضال، ولا أقول كما قال الفاضل أحمد
شاكر رحمه الله في شرحه حديث الذباب من "المسند" الجزء الثاني عشر: إن
الشيخ محمد رشيد رضا تأثر بشيخه محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وهما جاهلان
بالسنة، بل أقول: إن محمد عبده ضال، وكتب السنة والتفاسير التي على طريقة أهل
الحديث كافية، ويا حبذا لو قرأناها". ["المخرج من الفتنة" (ص:
184)].
وقد سلك السوركتي مسلك محمد
عبده، فهو ينكر بعض الأحاديث الصحيحة، وأنكر أن عيسى سينزل، وأنكر أحاديث الدجال
وإنه رمز خرافة، وغيرها.
ومن هنا عرفنا بطلان قول
محمد التميمي، وعبد الحكيم عبدة، ويزيد جواز، وأبي نداء، وفرندى، ومبارك بامعلم وغيرهم
من الأندونيسيين أن السوركتي سنّي سلفي.
فلما زار محمد التميمي
الأندونيسي مركز الألباني فقال أمام طلاب الشيخ الألباني أن السوركتي سنّي سلفي
وهو مؤسس دعوة أهل السنة في أندونيسيا.
وهؤلاء الحزبيون من أجل الدفاع
عن السوركتي يتكلمون في أهل السنة: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107].
جمعية الإرشاد
وكان السوركتي عازماً على العودة إلى مكة
المكرمة دون الدخول في صراع مكشوف مع السادة العلويين؛ إلا أن بعض وجهاء الحضارمة
غير العلويين أثنوه عن هذا المسعى، وشجعوه على إتمام المشوار التعليمي والإصلاحي
الذي وضع لبناته في إندونيسيا. واستجابة لنداء هؤلاء عدّل السوركتي عن رأيه وفتح
مدرسة خاصة في أحد بيوت نقيب العرب عمر بن يوسف منقوش بحارة جاتى سماها مدرسة
الإرشاد الإسلامية.
ثم بعد ذلك اقترح المناصرون للسوركتي ضرورة
تأسيس جمعية تقوم بتوفير الدعم المادي والأدبي للمدرسة، وتسهم أيضاً في تنظيم
أنشطتها التعليمية والتربوية. ومن هنا نبعت فكرة قيام جمعية الإرشاد في مدينة بتافيا،
ويبدو أن تأييد نقيب العرب عمر بن منقوش وصالح عبيد عبدات وسعيد بن سالم المشعبي
لقيام جمعية الإرشاد كان يعكس جزءاً من الصراع الخفي بين السادة العلويين وبعض
وجهاء المجتمع الحضرمي الذين أصبحوا أكثر قرباً من موطن صناعة القرار في بتافيا.
على هدي هذه المبادئ نشأت جمعية الإرشاد،
وبدأت تبشر بفجر المساواة والإخاء والتعليم، ونتيجة للنجاح الذي حققته في هذا
المضمار بدأت الطلبات تترى على مركزها العام في بتافيا بغية إنشاء فروع مماثلة لها
في الأقاليم، واستجابة لهذه النداءات تمَّ افتتاح فرع مدينة تقل عام 1917م، وفي
عام 1919م افتحت ثلاثة أفرع أخرى في مدينة بكالونقان، وشربون، وبومي أيو، وفي عام
1927م أسس فرع للإرشاد بمدينة سورابايا، وتبعه في ذات العام فرع مدينة بانيووانقي،
وفي العام الذي يليه ثم افتتاح فرعي مدينة بندووسو، ومدينة بوقور، وفي عقد
الثلاثينات ظهرت أفرع الإرشاد في فماللانق، سمارانق، شومال، فور وكرتو، صولو.
وألحق كل فرع من هذه الفروع بمدرسة إعدادية لتعليم الناشئة الحضارمة علوم القرآن
والحديث واللغة العربية والعقائد والفقه والتفسير، وبعض العلوم العقلية مثل
الكتابة والحساب والتاريخ والجغرافيا والهندسة والهيئة والمنطق، وبعض اللغات
الأجنبية مثل الهولندية والإنكليزية.
وإذا نظرنا إلى بعض دروس العلوم العقلية نجد
فيها أشياء ليست من العلوم السلفية، كالمنطق، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"وزعم أرسطو وأتباعه أن المنطق ميزان المعاني كما أن العروض ميزان الشعر وقد بين
نظار الإسلام فساد هذا الميزان وعوجه وتعويجه للعقول وتخبيطه للأذهان وصنفوا في رده
وتهافته كثيرا وآخر من صنف في ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية ألف في رده وإبطاله كتابين
كبيرا وصغيرا بين فيه تناقضه وتهافته فساد كثير من أوضاعه". ["إغاثة اللهفان"
(2/260)].
وطريقة
السوركتي قد سلكها أتباعه، وقد فتحوا الجمعيات والمدارس والجامعات، وفيها دروس العلوم
العقلية، وفيها الاختلاط بين الذكور والإناث كما وجدنا في يومنا هذا، وهذه كلها
جاءت من كفار الهولندية، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «لَتَتَّبِعُنَّ
سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا
جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قال أَبو سَعِيدٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:
«فَمَنْ». [رواه البخاري ومسلم].
وذكرت المصادر التاريخية عن إسهام بعض قادة
الإرشاد في تأسيس حزب مجلس شوري مسلمي إندونيسيا (ماشومي)، الذي تزعمه الدكتور
محمد ناصر، وفور تأسيسه ظل هذا الحزب يمثل تياراً إسلامياً داخل البرلمان
الإندونيسي وترياقا ضد الشيوعية في الشارع السياسي، الشيء الذي دفع الرئيس الراحل
سوكرنو إلى حله عام 1959م.
وأيضًا إذا نظرنا إلى تلك الترجمة نجد مخالفة
السوركتي على دعوة أهل السنة والجماعة، تعتبر دعوته وجمعيته الإرشاد سياسات الحزبية
وحركات المبتدعة، ودعوته إلى الديمقرطية التي يساوم فيها دين الله وتوحيده. وهذا فرندى
الأندونيسي وأصحابه من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فشأنهم كشأن فرقة
الإرشاد والفرق الأخرى، القائمون بطريقة السوركتي في الدعوة وفي غيرها.
وأيضًا إذا نظرنا إلى بعض قادة الإرشاد في تأسيس حزب مجلس شوري
مسلمي إندونيسيا (ماشومي) فإنهم دعاة إلى الانتخابات الديمقرطية التي يساوم فيها دين الله
وتوحيده، قال الإمام الوادعي رحمه الله: "الديمقراطية معناها: الشعب يحكم
نفسه بنفسه، أي: لا حاكمية لله، فالآية {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} ليس بصحيح
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة
: 44]، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة : 50]، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ
الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى : 21]، فكل هذا عندهم باطل.
فمعناها: إلغاء كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم". [انظر
"الحجج الكاشفة" (ص: 35-36)].
كتبه:
أبو أحمد محمد بن سليم اللمبوري الأندونيسي
عفا الله عنه
Tidak ada komentar:
Posting Komentar