أحاديث
الشفاعة
تدمغ
المرجئة وأهل البدعة
تأليف:
أبي
أحمد محمد بن سليم الأندونيسي
عفا
الله عنه
المقدمة
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد
لله القائل في كتابه الكريم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا
يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}،
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله.
أما بعد:
فيقول
النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم
حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لما هم عليه
التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم والاتباع بسبيل المؤمنين، الذين لم يغيروا ولم
يبدلوا، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
وفي
هذه الرسالة أحب أن أكتبتَ ثلاثةَ أحاديث الشفاعة لإخواني المؤمنين، ليزدادوا
بصيرة بالحق، وثباتا عليه وتَميّرزا عن المرجئة وأهل البدعة، قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ
فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].
الحديث الأول:
عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ
نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا»، قُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ
فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا»، ثُمَّ
قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ
أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ
وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ
مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ
تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا:
كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلهِ صَاحِبَةٌ
وَلَا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا
فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ: لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟
فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ
يَكُنْ لِلهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ
تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى
مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ
وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ
الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا
يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ فِي
صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا
رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ،
فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ، فَيَقُولُونَ: السَّاقُ
فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ
لِلهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا
وَاحِدًا ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ»، قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ
وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ
يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ
وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ
لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ
وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا
كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ
اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ
إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ
وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ
فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا
ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:
فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ
فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ
أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ
لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي
حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ
الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا
إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ فِي
رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ:
هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ
وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ.
[رواه البخاري ومسلم].
وأما
قول الدكتور البروفيسور: (من في قلبه مثقال ذرة من خير، وهذه
الخير هو الإيمان مع الإخلاص فيه. وهذه الأصناف هم من غير أهل الصلاة)
["أحاديث الشفاعة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية" (4-5)]، فقد تكلف هذا
الدكتور البروفيسور بِما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلا بد أن يعرف أن
الخير هو الإيمان، يشمل الصلاة وغيرها، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110]، وكما أن الإيمان يشمل كل
خير من الأعمال بالجوارح والقلوب، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} [المزمل: 20].
وقال
تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ
. وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}
[آل عمران: 114-115]، قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد الحراني رحمه الله: "والمعروف
اسم جامع لكل ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح"، ["اقتضاء الصراط"
(1/19)].
وقول
الدكتور البروفيسور: (من في قلبه مثقال دينار من خير،
فهؤلاء خرجوا من النار بما في قلوبهم من الإيمان وأعمال القلوب، ومنهم إخلاصهم في
التوحيد)، ["أحاديث الشفاعة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية"
(4-5)]، كما أسلفنا أن الخير هو الإيمان، وهو يشمل كل خير، سواء أكان من الأعمال
بالجوارح أو من الأعمال بالقلوب، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}
[النساء: 40]. فهذا استدلال بالعموم، كما ورد أيضًا فِي حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: «لَمْ
يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ}»، [الزلزلة: 7-8]. [رواه البخاري ومسلم].
قال
ابن حجر رحمه الله: "سماها جامعة لشمولها لجميع الأنواع من طاعة ومعصية وسماها
فاذة لانفرادها في معناها". ["فتح الباري" (6/65)].
قال
ابن المنير رحمه الله: "بأن هذا ليس من القياس في شيء وإنما هو استدلال بالعموم
وإثبات لصيغته خلافا لمن أنكر أو وقف وفيه تحقيق لإثبات العمل بظواهر العموم وأنها
ملزمة حتى يدل دليل التخصيص، وفيه إشارة إلى الفرق بين الحكم الخاص المنصوص والعام
الظاهر وأن الظاهر دون المنصوص في الدلالة". ["فتح الباري" (6/65)].
وأما
قوله: (هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ
وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ)، فهذا ليس نفياً مطلقا على أنهم بلا عمل قط، وقد ورد في
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
«لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ»، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «لَا وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ».
[رواه البخاري].
وأما
قول الدكتور البروفيسور: (وهذه الأصناف هم من غير أهل
الصلاة) فهذا التكلف منه بِما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، بل هذه
الأصناف من أهل الصلاة كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «حَتَّى إِذَا فَرَغَ
اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ
أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ
مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ
يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ
تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ
أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ». [رواه البخاري
ومسلم].
وأما
الأصناف هم من غير أهل الصلاة فهم ماتوا قبل نزول الفرائض أو ماتوا في أول إسلامهم
كما ورد في حديث البراء رضي الله عنه قال: جاء رجل من بني النبيت قبيل من الأنصار،
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: «عمل هذا يسيرا وأجر كثيرا». [رواه مسلم].
الحديث الثاني:
عَنْ
أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي
آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي
لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟
قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». [رواه البخاري ومسلم].
لَا
يَجُوزُ حَمْلُ هَذا الْحَدِيثِ عَلَى مَن ترَك الصلاةَ، فإنّ أبا ذَر رضي الله
عنه لا يسأل عن تاركي الصلاة ولا غيرهم من الذين تركوا الأعمال الصالحة بالجوارح
ولكن يسأل عن أهل الكبائر: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ".
وهذا
الحديث ليس دليلا على أنهم من تاركي الصلاة لأن من ترك الصلاة كافر، قال شيخ
الإسلام أحمد الحراني رحمه الله: "لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْكُفْرِ
لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ".
["مجموع الفتاوى" (7/490)].
قوله:
(وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) هذان من الكبائر، كما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ
النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». [رواه
البخاري ومسلم].
قال
الحكيمي
رحمه الله: "فهذا يدل على أنه
لم ينف عن الزاني والسارق والشارب والقاتل مطلق الإيمان بالكلية مع التوحيد فإنه لو
أراد ذلك لم يخبر بأن من مات على لا إله إلا الله دخل الجنة وإن فعل تلك المعاصي، فلن
يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وإنما أراد بذلك نقص الإيمان ونفي كماله، وإنما يكفر العبد
بتلك المعاصي مع استحلاله إياها المستلزم لتكذيب الكتاب والرسول في تحريمها بل يكفر
باعتقاد حلها وإن لم يفعلها، والله سبحانه وتعالى أعلم. ["أعلام السنة المنشورة"
(1/233)].
قال
شيخ الإسلام أحمد الحراني رحمه الله: فَمَظِنَّةُ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تُنَافِي
أُصُولَ الْإِيمَانِ مِثْلَ الْمَعَاصِي الطَّبْعِيَّةِ؛ مِثْلَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ
وَشُرْبِ الْخَمْرِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ
شَرِبَ الْخَمْرَ»، وَكَمَا شَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَكَانَ
يَجْلِدُهُ كُلَّمَا جِيءَ بِهِ فَلَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: «لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ
يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَخْزَاهُ اللَّهُ
مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ»، وَهَذَا
فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِهَذَا قَالَ: «إنَّ
اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ
بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ»، وَالْعَفْوُ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إنَّمَا وَقَعَ لِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْعَفْوَ هُوَ فِيمَا يَكُونُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي
لَا تَقْدَحُ فِي الْإِيمَانِ فَأَمَّا مَا نَافَى الْإِيمَانَ فَذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ
لَفْظُ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَافَى الْإِيمَانَ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مِنْ
أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِينَ فَلَا
يَجِبُ أَنْ يُعْفَى عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ عَمَلِهِ وَهَذَا فَرْقٌ
بَيِّنٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَبِهِ تَأْتَلِفُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ.
وَهَذَا كَمَا عَفَا اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، كَمَا
دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ فَمَنْ صَحَّ إيمَانُهُ عُفِيَ لَهُ عَنْ الْخَطَأِ
وَالنِّسْيَانِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ كَمَا يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ؛ بِخِلَافِ مَنْ
لَيْسَ مَعَهُ الْإِيمَانُ فَإِنَّ هَذَا لَمْ تَدُلّ النُّصُوصُ عَلَى تَرْكِ مُؤَاخَذَتِهِ
بِمَا فِي نَفْسِهِ وَخَطَئِهِ وَنِسْيَانِه. ["مجموع الفتاوى" (10/760)].
الحديث الثالث:
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ
أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ أَتُنْكِرُ
مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ قَالَ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ:
أَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ:
بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ فَتُخْرَجُ
لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أَحْضِرُوهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ
مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ
فِي كَفَّةٍ، قَالَ: فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ وَلَا يَثْقُلُ
شَيْءٌ». [رواه أحمد والترمذي].
وهذا
الحديث أيضا ليس دليلا على أنه ترك الأعمال بالجوارح، بل قوله «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» دليل على أنه قد عمل
عملا صالحا، وهو اتباع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله حرم الله عليه النار»، ومن شهد بهذه الكلمة فقد أطاع النبي صلى
الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي
دَخَلَ الْجَنَّةَ». [رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ].
وفي
حديث أَنَسٍ أَنَّ غُلاَمًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى
الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ
إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ.
فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِى أَنْقَذَهُ بِى مِنَ النَّارِ». [رواه البخاري]، ولا يكفي بمجرد أن يقول:
"أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"
كما يقول فرعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ
وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، بل لابد أن يتبع قول النبي صلى الله عليه
وسلم: «أَسْلِمْ»، فلما تبعه، كما أمر أبوه ها هنا: "أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ"،
فينفع إيمانه، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].
Tidak ada komentar:
Posting Komentar