سلسلة التفاسير
السلفية:
تلاوة القرآن في شهر رمضان
تأليف:
أبي
أحمد محمد بن سليم الأندونيسي
عفا
الله عنه
المقدمة
المقدمة
الحمد
لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهد
الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.أما بعد:
فإن
أصدق الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فتلاوة
القرآن من أسباب نزول السكينة، كما ورد في حديث البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ
سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها
فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: «تلك السكينة تنزلت للقرآن».
[رواه مسلم].
وَحَديثِ
أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ
فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ
بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ
الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». [رواه أبو داود، وابن
ماجة، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"].
وكذلك
الاستماع لقراءة القرآن من أسباب نزول الرحمة، قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]. وكما
كنا في الرباط بأرض دماج، والحوثة الرافضة قاتلهم الله ضربوا علينا بالأسلحة
الثقيلة، فنحن على السكينة، بسبب استماعنا لقراءة شيخنا أبي عبد الرحمن يحيى بن
علي الحجوري عفا الله عنه من مكبرة الصوت أثناء هجوم الحوثة الرافضة علينا في قرية
آل مناع بدماج. وهذا رد على ما قاله الدكتور البروفيسور ربيع بن هادي المدخلي
وأتباعه: "أن ما حصل في دماج عذاب من الله على الحجوري ومن معه"، فكيف
يقولون بهذا القول؟، وربنا عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
ففي
هذه السلسلة نحب أن نكتب تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا
* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1-4].
قال
ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل، وهو: التغطي
في الليل، وينهض إلى القيام لربه عز وجل، كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
[السجدة: 16]، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلا ما أمره الله تعالى به
من قيام الليل، وقد كان واجبًا عليه وحده، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ
بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:
79] وهاهنا بين له مقدار ما يقوم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا}.
قال
ابن عباس، والضحاك، والسدي: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}
يعني: يا أيها النائم. وقال قتادة: المزمل في ثيابه، وقال إبراهيم النخعي: نزلت وهو
متزمل بقطيفة.
وقال
شبيب بن بِشر، عن عكرمة، عن ابن عباس: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}
قال: يا محمد، زُمّلتَ القرآن.
وقوله:
{نِصْفَهُ} بدل من الليل {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} أي: أمرناك أن تقوم
نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل، لا حرج عليك في ذلك.
وقوله:
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} أي: اقرأه على تمهل،
فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره. ["تفسير ابن كثير" (8/249-250)].
ففي
هذه الآية الكريمة أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذا القرآن
الذي أوحاه إليه ربه، قال الله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ
رَبِّكَ}، والأمر في قوله: {وَاتْلُ} فيه تفسيران:
أحدهما:
القراءة.
والثاني:
الاتباع، قال الله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ
مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا
يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:
15].
وقال
تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا
وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا
يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [النمل:
91-92].
الترتيل في القراءة
الترتيل
في القراءة يكون في الصلاة كما في هذه الآية: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلا} أي: اقرأه في صلاتك.
ويكون
الترتيل في غير الصلاة كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ
وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا
عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 45-46].
دراسة القرآن في شهر رمضان
عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيهِ
وَسَلّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ
جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ
فَلَرَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ
الْمُرْسَلَةِ. [رواه البخاري].
قوله:
(فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ)، قال ابن حجر رحمه الله: أي رمضان وهذا ظاهر
في أنه كان يلقاه كذلك في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن ولا يختص ذلك برمضانات
الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة لأنه كان يسمى رمضان قبل أن
يفرض صيامه. ["فتح الباري" (9/44)].
فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
عن
أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرأوا
القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران
فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير
صواف تحاجان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها
البطلة».
قال
معاوية بن سلام: بلغني أن البطلة السحرة. [رواه مسلم].
ولهذا
حث أبو العباس حرمين بن سليم الأندونيسي رحمه الله إخوانه وقومه في لِمْبُورُو
بقراءة القرآن، وكان يقول في نصيحته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من
كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف
وميم حرف».
وكان
أستاذنا أبو العباس حرمين بن سليم الأندونيسي يكثر تلاوة القرآن، ونسأل الله أن
يرحمه ويسكنه جنّة الفردوس الأعلى.
النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود
عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف
خلف أبي بكر فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها
المسلم أو ترى له ألا وإني نهيت أن اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا
فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم». [رواه
مسلم].
قال النووي رحمه
الله: فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة
السجود التسبيح والدعاء. ["شرح مسلم" (4/197)].
والحديث
دليل على مشروعية الدعاء حال السجود بأي دعاء كان سوى الدعاء من القرآن، فلا يجوز
للرجل أن يدعو في صلاته بدعاء من القرآن كأن يدعو: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].
ولكن أن يدعو بمثله من سنة النّبِي صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
[رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عَنهُ].
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله: وَفِي نَهْيِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أَشْرَفُ الْكَلَامِ، إذْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَحَالَةُ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ذُلٌّ وَانْخِفَاضٌ مِنْ الْعَبْدِ، فَمِنَ الْأَدَبِ مَنْعُ
كَلَامِ اللَّهِ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَالِانْتِظَارُ أَوْلَى.
["الفتاوى الكبرى" (5/338)].
الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
عن
أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن الله أمرني
أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}، قال: وسماني لك؟، قال: «نعم»، قال:
فبكى. [رواه مسلم].
عَنْ
عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ:
أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ
مِنْ غَيْرِي»، فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا
مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}، قَالَ لِي:
كُفَّ أَوْ أَمْسِكْ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ. [رواه البخاري].
قال
النووي رحمه الله: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى:
{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109]، {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}
[مريم: 58]. ["فتح الباري لابن حجر" (9/98)].
قال
ابن بطال رحمه الله: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة ويحتمل
أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه اخلى وأنشط لذلك
من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها. ["فتح الباري لابن حجر" (9/94)].
فَضْلُ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
عَنْ
عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ
مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». [رواه البخاري].
وَقَالَ
صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».
[رواه البخاري].
قال
ابن القيم رحمه الله: "العلم بالقرآن أفضل من العلم بالسنة لشرف معلومه على
معلوم السنة قدم العلم به ثم قدم العلم بالسنة على تقدم الهجرة". ["مفتاح
دار السعادة" (1/74)].
فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآن فِي الصّلاَة وَتعَلّمِهِ
عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن
يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟» قلنا: نعم، قال: «فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته
خير له من ثلاث خلفات عظام سمان». [رواه مسلم].
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله: فَإِنَّ قِرَاءَةَ
الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ. ["الفتاوى الكبرى"
(2/295)].
عن
عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب
أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا
قطع رحم»، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو
يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له
من أربع ومن أعدادهن من الإبل». [رواه مسلم].
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله: وَأَمَّا
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ فَمُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ،
بَلْ مِنْ أَجَلِّ مَقْصُودِ التَّرَاوِيحِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا لِيَسْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ كَلَامَ اللَّهِ.
فَإِنَّ
شَهْرَ رَمَضَانَ فِيهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَفِيهِ كَانَ جِبْرِيلُ يُدَارِسُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، "وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ
حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ". ["الفتاوى الكبرى"
(2/256)].
جَعْلُ الْمَصَاحِفِ عِنْدَ الْقُبُورِ لِمَنْ يَقْصِدُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ
هُنَاكَ وَتِلَاوَتَهُ
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله:
"وَأَمَّا جَعْلُ الْمَصَاحِفِ عِنْدَ الْقُبُورِ لِمَنْ يَقْصِدُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ
هُنَاكَ وَتِلَاوَتَهُ، فَبِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ،
بَلْ هِيَ تَدْخُلُ فِي مَعْنَى اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ
السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ
حَتَّى قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ».
يُحَذِّرُ
مَا صَنَعُوا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، وَلَكِنْ
كُرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا، وَقَالَ: «إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ
الْقُبُورَ مَسَاجِدَ؛ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ
عَنْ ذَلِكَ» وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ
الْقُبُورِ مَسَاجِدَ.
وَمَعْلُومٌ
أَنَّ الْمَسَاجِدَ بَيْتُ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِذَا
اتُّخِذَ الْقَبْرُ لِبَعْضِ ذَلِكَ كَانَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا
مَعَ كَوْنِهِمْ يَقْرَءُونَ فِيهَا، فَكَيْفَ إذَا جُعِلَتْ الْمَصَاحِفُ بِحَيْثُ
لَا يُقْرَأُ فِيهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا لَا حَيٌّ وَلَا مَيِّتٌ، فَإِنَّ هَذَا
لَا نِزَاعَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ يَنْتَفِعُ بِمِثْلِ ذَلِكَ
لَفَعَلَهُ السَّلَفُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ،
وَأَسْرَعَ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ وَتَحَرِّيهِ. ["الفتاوى الكبرى" (1/51)].
حُكْمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِامْرأةٍ فِي حَالِ النِّفَاسِ
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله: وَأَمَّا
قِرَاءَتُهَا الْقُرْآنَ فَإِنْ لَمْ تَخَفْ النِّسْيَانَ فَلَا تَقْرَؤُهُ، وَأَمَّا
إذَا خَافَتْ النِّسْيَانَ فَإِنَّهَا تَقْرَأُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ،
وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَاغْتَسَلَتْ، قَرَأَتِ الْقُرْآنَ، وَصَلَّتْ بِالِاتِّفَاقِ.
["الفتاوى الكبرى" (1/340)].
حُكمُ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله:
وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ، رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ أَنَّ
مَسَّ الْمُصْحَفِ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ،
وَلَا يَجُوزُ لَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ.
["الفتاوى الكبرى" (1/341-342)].
حُكْمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلحَائِضِ
وَأَمّا
الْحَدِيثُ: «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ»،
فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلاَمِ أبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ الْحَرّانِي رَحِمَهُ الله:
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَحَادِيثُهُ
عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَغْلَطُ فِيهَا كَثِيرًا. وَلَيْسَ لِهَذَا أَصْلٌ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا عَنْ
نَافِعٍ، وَلَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَصْحَابُهُمْ الْمَعْرُوفُونَ بِنَقْلِ
السُّنَنِ عَنْهُمْ". ["الفتاوى الكبرى" (1/453)].
وَقَالَ
رَحِمَهُ الله: وَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ يَحِضْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِنَّ كَالصَّلَاةِ،
لَكَانَ هَذَا مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ،
وَتَعْلَمُهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَنْقُلُونَهُ إلَى
النَّاسِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَلِكَ نَهْيًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُجْعَلَ حَرَامًا لِلْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ
يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ مَعَ كَثْرَةِ الْحَيْضِ فِي زَمَنِهِ
عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ. ["الفتاوى الكبرى" (1/453)].
وَقالَ
رَحِمَهُ الله: وَإِذَا كَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَضَتْ بِأَنَّهُ يُرَخَّصُ لِلْحَائِضِ فِيمَا لَا يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْجُنُبِ؛ لِأَجْلِ
حَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَطَهُّرِهَا. ["الفتاوى الكبرى"
(1/454)].
قراءة القرآن في الأسواق والجِبايةُ
وأما
قراءة القرآن في الأسواق والجِبايةُ على ذلك فهذا منهيّ عنه من وجهين:
أحدهما:
من جهة قراءته لمسألةِ الناسِ، ففي الحديث: «اقرأوا القرآن واسألوا به اللهَ قبل أن
يجيء أقوامٌ يقرأونه يسألون به الناسَ».
والثاني:
من جهة ما في ذلك من ابتذال القرآن بقراءته لمن لا يستمع إليه ولا يُصغِي إليه. ["جامع
المسائل" (3/137-138)].
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar