التِّبْيَانُ
عَلَى بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْمَكْرُوْهَاتِ
فِيْ شَهْرِ رَمَضَانَ
تأليف:
أبي أحمد محمد
بن سليم الأندونيسي اللمبوري
-وفقه الله-
تقديم:
الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن جزام البعداني
تقديم
الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن جزام البعداني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد قام أخونا محمد بن سليم حفظه
الله ووفقه بجهد طيب في جمع هذه الرسالة وجزاه الله خيرا.
ونوصيه
أن يجعل الرسالة تحت مزيد النظر لأنه لم يخصها بمنكرات رمضان ولا بما ظاهره
الحسنات بل ذكر بعض المكروهات مضمون الرسالة بخلاف عنوانها، ونسأل الله لنا وله
التوفيق والسداد.
كتبه
أبو عبد الله محمد بن علي بن حزام البعداني.
قال أبو أحمد عفا الله عنه:
كانت هذه الرسالة بعنوان
"المنكرات في شهر رمضان ظاهرها حسنات".
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له القائل: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ».
أما بعد:
«إِنَّ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ -صلى الله
عليه وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَ{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}».
قال الله تعالى
في القرآن الكريم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل
عمران: 104]. وقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ
أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ
الْفَاسِقُونَ [آل عمران: 110].
والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ
بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ». [رواه مسلم برقم (186)].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى
إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ
وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ
مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ
فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ
بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
[رواه مسلم برقم (188)].
قال الشيخ السعدي
رحمه الله في "تفسيره" (1/202): ووجه الدلالة منها: أن الله تعالى
أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف. اهـ.
وقال الشيخ
السعدي رحمه الله في "تفسيره" (1/972): هذا تفضيل من الله لهذه الأمة
بهذه الأسباب، التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم، وأنهم خير الناس للناس، نصحا،
ومحبة للخير، ودعوة، وتعليما، وإرشادا، وأمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر. اهـ.
ففي هذه النصوص
تدل على وجوب تغيير المنكرات بكل ما أمكنه مما ذكر، وقد بين الله سبحانه أن بني
إسرائيل لعنوا بسبب عدم التناهي عن المكرات، قال الله تعالى في القرآن الكريم:
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ
عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) [المائدة: 78-79].
وقد بين الله
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هلاك الأمة يحصل بسبب عدم التناهي عن
المنكرات. قال الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 25].
عَنْ قَيْسٍ قَالَ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا
عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ عَنْ خَالِدٍ وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم-
يَقُولُ: « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ
أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ». وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنِّى
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ
فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا
إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ
كَمَا قَالَ خَالِدٌ أَبُو أُسَامَةَ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ شُعْبَةُ فِيهِ: «مَا مِنْ
قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى هُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ». [رواه
أحمد (29، 30) وأبو داود (4340) والترمذي (2168) وقال: وفي الباب عن عائشة وأم سلمة النعمان بن
بشير وعبد الله بن عمر وحذيفة وهذا حديث صحيح)].
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث
عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم. [رواه الترمذي (2169) وقال: هذا حديث حسن)].
وأما المنكرات في
شهر رمضان فكثيرة، منها:
معرفة
دخول شهر رمضان بطريقة الحساب
قال ابن دقيق العيد رحمه الله في "إحكام
الأحكام " (1 / 268): والذي أقول به أن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم
لمفارقة القمر للشمس على ما يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية
بيوم أو يومين فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى. اهـ.
وقال ابن بزيزة رحمه الله كما في "سبل
السلام" (2/152): هو مذهب باطل قد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها
حدس وتخمين ليس فيها قطع. اهـ.
إذا قيل: معرفة دخول شهر رمضان بطريقة
الحساب يجوز إذا غم في رؤية الهلال؛ فالجواب: الواضح عليهم ما أخرجه الإمام البخاري
ومسلم في "صحيحيهما" عن عَبْد اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا
فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ».
فلا بد للمسلمين أن يتعلموا كيفية رؤية
الهلال ومعرفتها؛ لأن هذا أمر من أمور دين الإسلام وشعائرها؛ قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].
التلفظ بالنية
وقد زعم بعض
المسلمين أن التلفظ بالنية من السنة، وكثير منهم يقولون: «نويت
الصوم.... » أو «أصلي
ركعتين....» إلخ.
سُئِلَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ النِّيَّةِ فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ
مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، هَلْ تَفْتَقِرُ إلَى نُطْقِ اللِّسَانِ؟ مِثْلُ قَوْلِ
الْقَائِلِ: نَوَيْت أُصَلِّي، وَنَوَيْت أَصُومُ؟
أَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نِيَّةُ الطَّهَارَةِ مِنْ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ،
وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ؛
لَا تَفْتَقِرُ إلَى نُطْقِ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، بَلْ النِّيَّةُ
مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بِاتِّفَاقِهِمْ، فَلَوْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ غَلَطًا خِلَافَ
مَا فِي قَلْبِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا يَنْوِي لَا بِمَا لَفَظَ. وَلَمْ يَذْكُرْ
أَحَدٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
خَرَّجَ وَجْهًا فِي ذَلِكَ، وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ تَنَازَعَ
الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسْتَحَبُّ اللَّفْظُ بِالنِّيَّةِ؟
عَلَى
قَوْلَيْنِ: فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ:
يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا لِكَوْنِهِ أَوْكَدَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمَا: لَا يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَا أَصْحَابِهِ وَلَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا
مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يَلْفِظَ بِالنِّيَّةِ وَلَا عَلَّمَ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ،
وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَمْ يُهْمِلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، مَعَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُبْتَلَاةٌ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، بَلْ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ
نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ: أَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأَمَّا
فِي الْعَقْلِ فَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُرِيدُ أَكْلَ الطَّعَامِ فَقَالَ:
أَنْوِي بِوَضْعِ يَدِي فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَنِّي آخُذُ مِنْهُ لُقْمَةً، فَأَضَعُهَا
فِي فَمِي فَأَمْضُغُهَا، ثُمَّ أَبْلَعُهَا لِأَشْبَعَ فَهَذَا حُمْقٌ وَجَهْلٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ تَتْبَعُ الْعِلْمَ، فَمَتَى عَلِمَ الْعَبْدُ مَا يَفْعَلُ
كَانَ قَدْ نَوَاهُ ضَرُورَةً، فَلَا يُتَصَوَّرُ مَعَ وُجُودِ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ
لَا تَحْصُلَ نِيَّةٌ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِالنِّيَّةِ
وَتَكْرِيرَهَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، بَلْ مَنْ اعْتَادَهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ
أَنْ يُؤَدَّبَ تَأْدِيبًا يَمْنَعُهُ عَنْ التَّعَبُّدِ بِالْبِدَعِ، وَإِيذَاءِ النَّاسِ
بِرَفْعِ صَوْتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ("الفتاوى الكبرى": 1/214-215).
التلفُّظ بالنيَّة
من البدع المحدثة والنيَّة محلُّها في القلب، والتلفُّظ بها بدعة، فلا
يجوز التلفُّظ بالنيَّة في أيِّ قُربة من القُرَب، إلاَّ في الحجِّ والعمرة، فله أن
يُسمِّي في تلبيته ما نواه من قران أو إفراد أو تمتُّع، فيقول: لبَّيك عمرة وحجًّا،
أو لبَّيك حجًّا، أو لبَّيك عمرة؛ لثبوت السنَّة في ذلك دون غيره. قال الإمام مسلم
رحمه الله (3054): وَحَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا
حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ -رضى الله عنه-
قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يُلَبِّى بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
جَمِيعًا. قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ
وَحْدَهُ. فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا
تَعُدُّونَنَا إِلاَّ صِبْيَانًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
«لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا».
ترك
النوم من أول رمضان إلى آخره؛ من أجل العبادة
وفي "الصحيحين" عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى
الله عليه وسلم- سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ عَمَلِهِ
فِى السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ
آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. -وفي البخاري: ((قال
أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا
أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم))- فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّى
أُصَلِّى وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى».
ترك
الصلاة
وقد شهدتُ بعضَ المسلمين تركوا الصلاة؛
لكنهم يصومون، الصلاة ركن من أركان الإسلام؛ وهي آكد الأركان بعد الشهادتين؛ وهي
فرض من فروض الأعيان؛ من تركها جاهدا لوجوبها فقد كفر؛ وقد أجمع أهل العلم على
هذا.
وذهب الإمام ابن باز رحمه الله كما في
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص: 300) أن تارك الصلاة عمدا يكفر
بذلك كفرا أكبر؛ كذلك لا يصح صومه ولا بقية عباداته حتى يتوب إلى الله سبحانه؛ وهو
–أيضا- قول ابن المبارك؛ وأحمد؛ وإسحاق؛ وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم؛ وقال
محمد بن نصر المزوني: هو قول جمهور أهل الحديث.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر
بذلك؛ ولا يبطل صومه ولا عبادته إذا كان مقرا بالوجوب؛ ولكنه ترك الصلاة تساهلا
وكسلا. وهو قول المالكية، والشافعية، والإمام أحمد في رواية اختيارها بعض أصحابه
كابن بطة، وابن قدامة، والثوري، والمزني؛ وعزاه إلى الأكثرين، كالنووي، وابن حجر،
والشوكاني. وهذا هو الراجح. وقد بين وذكر شيخنا محمد بن حزام الفضلي -حفظه الله
ورعاه- الأدلة الكثيرة عن هذه المسألة كما في رسالته "فتح العلام"
(2/418-425).
ترك صلاة
التراويح
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضى الله عنهما-
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَكُنْ
بِمِثْلِ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». [رواه البخاري (1101)
ومسلم (2790)].
قال ابن العربي كما في
"سبل السلام" (2 / 14): هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب،
إذ لو كان واجباً لم يكتف لتاركه بهذا القدر، بل كان يذمه أبلغ ذم. وفيه استحباب الدوام
على ما اعتداه المرء من الخير من غير تفريط ويستنبط منه كراهة قطع العبادة. اهـ.
قال الإمام النووي رحمه
الله في "شرحه على صحيح مسلم" (8 / 40): وقد ذم الله تعالى قوما أكثروا
العبادة ثم فرطوا فيها فقال تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا
عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا
[الحديد: 27]. اهـ.
وقال رحمه الله في "شرحه على صحيح
مسلم" (8 / 43) –أيضا-: ينبغى الدوام على ما صار عادة من الخير ولا يفرط فيه.
اهـ.
الوصال
في الصوم
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَنَّ النَّبِىَّ -صلى
الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ الْوِصَالِ قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: «إِنِّى
لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى». (رواه البخاري ومسلم).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ». قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِى ذَلِكَ مِثْلِى إِنِّى أَبِيتُ
يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى فَاكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ».
(رواه البخاري ومسلم).
الذكر الجماعي
وقد رَأَيْتُ فِي بعض
الْمَساجِدِ قَوْمًا جُلُوسًا بعد صلاة الليل ويَنْتَظِرُونَ السحور ويقولون: «سُبُّوحٌ
قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ» ثم يقولون: نويت الصوم....إلخ. وهذا
مثل ما فعله بعض القوم في زمان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الدارمي
رحمه الله (251): حدثنا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ حدثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ
فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ قُلْنَا لَا
فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ
لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ
آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا، قَالَ:
فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا
حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ
حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً
فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ:
فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ
أَمْرِكَ، قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ
أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى
حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ
تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: فَعُدُّوا
سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ
وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ
أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا
إِلَّا الْخَيْرَ، قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ
لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ
ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ
الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
قلت: هذا حديث حسن، رجاله
رجال ثقات إلا الحكم بن المبارك وهو حسن الحديث.
والحديث صححه الإمام
الألباني رحمه الله كما في "السلسلة الصحيحة" برقم (2005).
ويستفاد منه أن العبرة ليست
بكثرة العبادة وإنما بكونها على السنة بعيدة عن البدعة وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله
أيضا: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. ومنها: أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة
الكبيرة. (انظر "السلسلة الصحيحة": 5/11).
اختلاط
الرجال بالنساء
ومن المعلوم أن هذا الأمر
من المحرمات والمنكرات، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر كما في
قوله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ». فَقَالَ رَجُلٌ
مِنَ الأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ «الْحَمْوُ الْمَوْتُ».
[رواه البخاري (4934) ومسلم (5803)].
وأما قوله صلى الله عليه
وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ
النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». [رواه مسلم (1013)] فقد شرحه الإمام النووي رحمه الله كما في "شرحه
على صحيح مسلم" (4/159) قال رحمه الله: وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات
مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم
أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم. اهـ.
تصوير
ذوات الأرواح
إذا اجتمع المسلمون في
مسجد من المساجد لصلاة الليل أو الإعتكاف؛ فجاء المصورون؛ وأخذوا صور الناس في
المسجد. وتصوير ذوات الأرواح يعد من المحرمات والدليل قول النبي صلى الله عليه
وسلم: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا
خَلَقْتُمْ». ثُمَّ قَالَ «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ
الْمَلاَئِكَةُ». [رواه البخاري (4886)
ومسلم (5655) عن عائشة].
التشبه
بالكفار
وأما التشبه فهو من
المنكرات والمحرمات، وقد حذر الشارع عن هذا المنكر كما في القرآن الكريم، منها قول
الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا
وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (105). [البقرة: 104].
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد،
على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعباداتهم وغير ذلك من
أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقَرر عليها. ["تفسير ابن كثير" (1/374)].
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم
[التوبة : 34].
قال الإمام ابن كثير في "تفسيره"
(4/138): والحاصل التحذير من التشبه بهم في أحوالهم وأقوالهم؛ ولهذا قال تعالى: {لَيَأْكُلُونَ
أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم
في الناس، يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف، ولهم
عندهم خَرْج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلما بعث الله رسوله، صلوات الله وسلامه عليه
استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم، طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات، فأطفأها الله
بنور النبوة، وسلبهم إياها، وعوضهم بالذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله. اهـ.
وقوله: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:
47].
يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في
القتال في سبيله وكثرة ذكره، ناهيًا لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم
{بَطَرًا} أي: دفعا للحق، {وَرِئَاءَ النَّاسِ} وهو: المفاخرة والتكبر عليهم.
("تفسير ابن كثير": 4/72).
وقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(105) [آل عمران: 104-105].
وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين، ولهذا قال تعالى عنهم: {وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب، ثم نهاهم عن التشبه بأهل الكتاب
في تفرقهم واختلافهم، فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}
("تفسير السعدي" 1/142).
وأما التشبه بالكفار في شهر رمضان فأنواعه
كثيرة منها:
1.
ترك
السحور.
عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «فَصْلُ مَا
بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ». [رواه مسلم (2604)].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "اقتضاء
الصراط" (1/60): وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع.
اهـ.
قال ابن المنذر في "الاشراف"
أجمعت الامة علي أن السحور مندوب إليه مستحب لا إثم علي من تركه. ("المجموع
شرح المهذب للنووي" 6/360).
2.
تأخير
الفطر.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ
النَّاسُ الْفِطْرَ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ». [رواه أبو
داود (2355) بسند حسن].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "اقتضاء
الصراط" (1/60): وهذا نص في أن ظهور الدين حاصل بتعجيل الفطر هو لأجل مخالفة
اليهود والنصارى وإذا كانت مخالفتهم سببا لظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن
يظهر دين الله على الدين كله فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة. اهـ.
3.
الرجل
يلبس لباس المرأة أو المرأة تلبس لباس الرجل حين خرجوا إلى المساجد لصلاة الليل.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ
وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ
بِالرِّجَالِ. [رواه البخاري (5546) وأحمد (2263) وهذا لفظ أخمد؛ وفي البخاري بدون
ذكر: الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ].
فقد فعل أحد من الحزبيين المشهور بأبي
العباية الأندونيسي في تشبهه بالنساء؛ فلما قام المسلمون في صلاة الليل من شهر رمضان
فخرج هذا الرجل من بيته ويلبس لباس المرأة ويمشي في الطروقات، وطرد شيخنا الناصح
الأمين يحيى الحجوري هذا الرجل، والآن هذا الرجل صار من أساتيذ الحزبيين في
أندونيسيا.
4.
حلق
اللحية وتقصيرها.
إذا دخل شهر رمضان أو عيد الفطر حلق بعض
المسلمين لحيتهم؛ وهذا أمر بن أمور المحرمات، والدليل قول النبي صلى الله عليه
وسلم: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى». [رواه
البخاري (5553) ومسلم (625)].
الجماع في النهار
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: ((بَيْنَمَا
نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلَكْتُ. قَالَ: مَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي,
وَأَنَا صَائِمٌ- وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ- فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا. قَالَ:
فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ
تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ -صلى
الله عليه وسلم- فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-
بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ- قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ قَالَ:
أَنَا. قَالَ: خُذْ هَذَا, فَتَصَدَّقَ بِهِ . فَقَالَ الرَّجُلُ : عَلَى أَفْقَرَ
مِنِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ-
أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ )) . [رواه البخاري (1834)].
وقعت على امرأَتي:
أَي جامعتها.
الاستمناء
قال الله تعالى:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) [المؤمنون: 5-7].
قال الإمام
الشافعي رحمه الله في "الأم" (5/94): فَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ
إلَّا في الزَّوْجَةِ أو في مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
وَسُئِلَ شيخ
الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: عَنْ " الِاسْتِمْنَاءِ "هَلْ هُوَ
حَرَامٌ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: أَمَّا الِاسْتِمْنَاء
بِالْيَدِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ
فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ مَنْ فَعَلَهُ. وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ
هُوَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يُبِيحُونَهُ لِخَوْفِ الْعَنَتِ
وَلَا غَيْرِهِ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ
رَخَّصُوا فِيهِ لِلضَّرُورَةِ: مِثْلَ أَنْ يَخْشَى الزِّنَا فَلَا يُعْصَمُ مِنْهُ
إلَّا بِهِ وَمِثْلَ أَنْ يَخَافَ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ أَنْ يَمْرَضَ وَهَذَا قَوْلُ
أَحْمَد وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا بِدُونِ الضَّرُورَةِ فَمَا عَلِمْت أَحَدًا رَخَّصَ
فِيهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ["مجموع الفتاوى" (34/229)].
مسألة:
استمناء الصائم؟
ذهب الجمهور إلى أنه يفسد الصوم؛ واستدلوا بالحديث القدسي: «يَدَعُ شَهْوَتَهُ
وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى».
وذهب الإمام أبو
محمد بن حزم والصنعاني والألباني أنه لا يفسد صوممه؛ لأنه لم يأت نص بأنه ينقض
الصوم وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ.
وإذا قيل: قوله «يَدَعُ
شَهْوَتَهُ» هي اللفظة العامة تشمل الجماع والاستمناء فالجواب: حب الدنيا وما فيها
من الشهوات؛ والدليل قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ [آل عمران: 14]. وعَنْ عَائِشَةَ
كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ
وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. [رواه البخاري (316) ومسلم (2633)].
وأما قوله: «يَدَعُ
شَهْوَتَهُ» فهي اللفظة الخاصة والمراد بها الجماع
وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ –إن شاء الله- والدليل على ذلك ما رواه الإمام البخاري (1834) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
رَجُلٌ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي, وَأَنَا صَائِمٌ- وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي
فِي رَمَضَانَ-.
وقعت على امرأَتي:
أَي جامعتها. والله تعالى أعلى وأعلم.
الغناء
إذا
دخل وقت السحور فضرب بعض الرجال آلات اللهو والطرب؛ وهذا من المحرمات؛ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه؛ أن البي صلى الله
عليه وسلم قال: ((ليَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ
وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ)) [رواه البخاري (5268)].
قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي
لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا
هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا
وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [لقمان: 6-7].
وثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
-وهو أحد كبار الصحابة وعلمائهم- يحلف بالله الذي لا إله إلا هو على أن لهو الحديث
هو الغناء، وقال رضي الله عنه: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع)
وقد ورد عن السلف من الصحابة والتابعين أثار كثيرة بذم الغناء وآلات الملاهي والتحذير
من ذلك.
شرب الدخان
شرب
الدخان يعد من المحرمات؛ لعموم قوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
[البقرة: 195]. وذهب الشيخ ابن العثيمين رحمه الله أن شرب الدخان يعد من المفطرات.
[انطر "اتحاف
الأنام لشيخنا محمد بن حزام الفضلي" (ص: 86)].
أكل القات
أضرار أكل القات أعظم من شرب الدخان، وأكله يعد من المحرمات، لعموم قوله
تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195]؛ وقول
النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». (رواه البخاري ومسلم عَنْ أبي موسى الأشعري وجَابِرٍ). وأكله يعد من المفطرات.
والله أعلم.
التسول
إذا دخل شهر رمضان ففرح
الحزبيون لأنهم سيسألون الناسَ عن زكواتهم، فقد سأل ذوالقرنين بن محمد سانوسي
الأندونيسي الناسَ عن زكواتهم، كما في مجلته "النصيحة".
والتسول حرام، لقول النبي
صلى الله عليه وسلم: لَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا (رواه مسلم عن عوف بن مالك).
وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأبي ذر: يَا أَبَا ذَرٍّ أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ
شَدِيدٌ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ كَيْفَ تَصْنَعُ
قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ تَعَفَّفْ. [رواه أحمد عن أبي ذر بسند صحيح].
الاعتكاف في غير مساجد
قال الإمام ابن قدامة رحمه
الله في "المغني" (3 / 127): ولا يصح الاعتكاف في غير مسجد إذا كان
المعتكف رجلا لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا والأصل في ذلك قول الله تعالى: {وَلَا
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]} فخصها بذلك
فلو صح الاعتكاف في غيرها لم يختص تحريم المباشرة فيها فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف
مطلقا. اهـ.
قال شيخ الإسلام رحمه
الله في "اقتضاء الصراط" (1 / 441): والاعتكاف من العبادات المشروعة
بالمساجد باتفاق الأئمة كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ
فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]} أي في حال عكوفكم في المساجد لا تباشروهن وإن كانت
المباشرة خارج المسجد ولهذا قال الفقهاء إن ركن الاعتكاف لزوم المسجد لعبادة الله ومحظوره
الذي يبطله مباشرة النساء.
فأما العكوف والمجاورة عند
شجرة أو حجر تمثال أو غير تمثال أو العكوف والمجاورة عند قبر نبي أو غير نبي أو مقام
نبي أو غير نبي فليس هذا من دين المسلمين بل هو من جنس دين المشركين. اهـ.
أخذ أموال الناس بالباطل
قال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا
فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:
188].
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-
أَنَّهُ قَالَ: « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ
شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ - ثُمَّ قَالَ - أَىُّ شَهْرٍ هَذَا».
قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ - قَالَ - فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ». قُلْنَا بَلَى. قَالَ:
«فَأَىُّ بَلَدٍ هَذَا». قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ - قَالَ - فَسَكَتَ
حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ».
قُلْنَا بَلَى. قَالَ: «فَأَىُّ يَوْمٍ هَذَا». قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
- قَالَ - فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ
«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ». قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ
حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ
هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ فَلاَ تَرْجِعُنَّ
بَعْدِى كُفَّارًا - أَوْ ضُلاَّلاً - يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلاَ لِيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ
بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ». ثُمَّ قَالَ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ». قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ
فِى رِوَايَتِهِ « وَرَجَبُ مُضَرَ». وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ «فَلاَ تَرْجِعُوا
بَعْدِى». [رواه البخاري (4144) ومسلم (4477)].
وقد أخذ أحد من أصحاب
لقمان بن محمد باعبده الأندونيسي اسمه أبو عفيفة حسين الأندونيسي أموالنا وأموال
أصحابنا في أول شهر رمضان في سنة 1429 هـ حتى صعبنا في الرحلة إلى دار الحديث
بدماج. وزعم أحد منا أن أبا عفيفة حسين -قتله الله- أخذ أموالنا لبناء مركز حزبهم
في مدينة سِيكَارَنغ-جاوى-أندونيسيا؛ لأنه في ذلك الوقت هو يبحث الأموال لبناء
مركز حزبهم، -لا بارك الله فيه وفي مركزهم-.
إخراج زكاة المال والفطر إلى الجمعيات
فلا يجور لمسلم
أن يخرج زكاته إلى الجمعيات، لأن الجمعيات وسيلة إلى الحزبية كما قاله الإمام
الوادعي رحمه الله؛ ولهذا فلا يجوز التعاون على الحزبية؛ قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2]. فلا يجوز التعاون على
الحزبية لأنها مذمومة؛ قال تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:
105].
التعاون مع البنوك في جمع الزكوات
فلا
يجوز التعاون مع البنوك في جمع الزكوات؛ قال الإمام مسلم رحمه الله (4177): حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ
قَالُوا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ.
وقد
كثر التعاون مع البنوك، والمال من هذا التعاون حرام ممحق البركة، قال تعالى: يَمْحَقُ
اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ
[البقرة: 276].
بعون
الله تعالى وتوفيقه تمت هذه الرسالة في 28 رجب 1432 هـ، أسأل الله سبحانه أن ينفع
بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الله الكريم، كما أسأله سبحانه أن يغفرلي ولوالدي
ولمشايخي وإخواني في الله. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 9-10].
كتبه أبو أحمد محمد بن
سليم الأندونيسي اللمبوري.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar